العقل العلمي و العقل الغيبي

بينما كان العرب يسبقون العالم في الحضارة و الثقافة و العلم ، في الذروة الفترة التاريخية  - التي عرفت في أوروبا باسم القرون 

الوسطى – كانت أوربا في ذروة حياة متقلبة و مضطربة ، تنتشر فيها أعمال الشعوذة و أجواء الخرافة ، و تهيمن فيها الكنيسة على كل شيئ ، باسم الدين ، و تكبح جماح التطور العقلي بادعاء التجديف لكل من تسول له نفسه التفكير العقلاني .

و اليوم ، انتقلت كل المعارف العربية في الرياضيات و الموسيقى و الصيدلة ز الطب و الفلسفة و الفقه و سواها إلى  العرب و أسسوا  عليها نهضتهم الفكرية و العلمية ، بعد أن حرروا عقلهم كما حرروا حياتهم من سلطة الكهنوت ، و النتيجة هي سبقهم للعرب بقرون .

المدهش أن الغرب حين قرر  أن يتقدم و ينهض حشد كل قواه العقلية و التنويرية ، بدعوى ربط الكفر بالغرب ، و ربط التفكير بالتجاوز، و هو ما أدى إلى كبح مسيرة المعرفة العلمية العربية ، لمصلحة الأفكار الظلامية المحافظة من جهة ، و لمصلحة بعض التيارات السياسية التي ربطت بين الغرب كمستعمر و بينه كمجتمع بشري ، فرفضت كل ما يأتي من الغرب دون تفريق.

قبل عدة سنوات أعلن الرئيس الأمريكي بارك أوباما عن تخوفه من مسيرة التعليم الأمريكي ، التي رأى أنها تتراجع فقرر تخصيص أربعة مليارات دولار أمريكي من أجل تطوير التعليم .

يحدث ذلك في الولايات الأمريكية التي تعد الأن القوة الكبرى في العالم على المستويات كافة ، و بينها مستوى التعليم الجامعي و البحث العلمي .

إن هذه الطريقة في التفكير هي التي يحتاج إليها العرب اليوم لاستعادة مجدهم العلمي الذي كان سببا من أسباب نهضة الغرب ، و هي أيضا كانت الطريقة التي حققت للحضارة العربية الأسلامية مجدها حين تولى شئونها ولاة أدركو أن التقدم لا يحققه إلا العلم فانتصروا للعلماء و الفلاسفة على حساب القوى المحافظة ، التي مع الأسف كان لها الغلبة في النهاية ، فأحرقوا الكتب ، و ألغوا العقل ، و ادعوا أن كل العلوم بدعة حتى انهارت الحضارة العربية على هاوية التخلف الذي جعل من المنطقة العربية فريسة سهلة للاستعمار الغربي ، الذي وجد العرب في غيابهم العقلي فريسة سهلة .

 و لن يستعيد العرب أمجادهم و استقلالهم الكامل عن التبعية للغرب إلا باستعداد القيم العقلانية و العلمية التي كانت سمة الحضارة العربية في ذروة مجدها و لقرون .

منقول من مجلة العربي العدد 612 – نوفمير 2009